الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية متى نستفيق من كابوس تزويج القاصرات في تونس؟

نشر في  06 سبتمبر 2017  (11:45)

أعادت مؤخرا حادثة محاولة والدين تزويج طفلتهما القاصر التي لم يتجاوز عمرها الثلاثة عشر سنة بشاب ثلاثيني بقفصة رغم رفض المحكمة الابتدائية وفق ما كشف عنه المحامي حسام الدين خليفة، أعادت إلى الأذهان السلوك المريب  الذي ينتهجه بعض الأفراد في حق بناتهنّ اللواتي قطفت أزهارهنّ اليافعة، وشذب عودهنّ الطري ليتم رميهن في أحضان مستقبلهن المجهول بتعلات وحجج واهية لا يقبلها لا عاقل ولا مجنون..
 فمن من التونسيين قد نسي  قضية الطفلة القاصر بالكاف والتي صدر حكم قضائي بتزويجها من مغتصبها الذي حملت منه سفاحا، ومن نسي ما أثارته حادثة خطوبة طفلة قاصر أخرى بقفصة بمباركة ذوييها، ومن لم يدرك منا مخاطر هذه السلوكات الخطيرة التي باتت تتفشى في مجتمعنا الذي نبذها ووأدها منذ قرون وأجيال واعتبرها وصمة عار؟
 أخبار الجمهورية ارتأت في هذا الملف تسليط الضوء على تنامي حوادث تزويج القاصرات في تونس، وتقليب أبعادها تشريعيا واجتماعيا وفقهيا فكان ما يلي...

 سامي نصر: لا يمكن الحديث عن زواج القاصرات كظاهرة مجتمعية بل كسلوكات فردانية معزولة

في البداية وحول سؤال أخبار الجمهورية عما إذا كان ممكناً الحديث عن ظاهرة لزواج القاصرات في تونس أجاب الباحث في علم الاجتماع سامي نصر في اتصال جمعنا به، بأنه لا يعتقد أن هذه الحوادث يمكن أن تتحول في المدى المنظور إلى ظاهرة إجتماعية بمعنى الإنتشار الواسع، بل هي مجرّد سلوكات معزولة وفردانية ينتهجها البعض.
واعتبر سامي نصر أن ما يمكن تسجيله هو الطريقة الإيجابية التي تعاطى بها الرأي العام التونسي مع هذه الحوادث المعزولة إذ سرعان ما نبذها جلّ التونسيين الذين شدّدوا على ضرورة التصدي لها بقوة وهو ما أكّد بالدليل القاطع تجذر مكاسب الحداثة في مجتمعنا وعلى أن مكونات المجتمع المدني قادرة على مجابهة كل سلوكات الجذب الى الوراء حتّى وان لم ترتق الى ظواهر يمكن الحديث عنها..

راضية الجربي: زواج القاصرة «باطل» قانونيا

من جهتها اعتبرت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة والمحامية راضية الجربي أنّ تزويج الفتيات القاصرات في تونس هو إجرام في حق الطفولة معتبرة انّ أسبابه تعدّدت كقلة الوعي والفقر الذي يدفع ببعض الأهل إلى اعتبار بناتهم مجرد سلعة يتاجرون بها لانتشالهم من الفاقة..
وشددت الجربي على أنّه يصعب اليوم الحديث عن إحصائيات رسمية دقيقة تحدّد نسب حوادث تزويج القاصرات في بلادنا على اعتبار أنّ هنالك من يزوج بناته القاصرات بطرق غير قانونية أي دون إذن قضائي يتم الحصول عليه من قبل المحكمة الابتدائية..
وهنا نشير إلى أن الفصل الخامس من مجلة الأحوال الشخصية  ينص على أن يكون كل من الزوجين خلوا من الموانع الشرعية، وزيادة على ذلك فكل من لم يبلغ منهما 18 سنة كاملة لا يمكنه ان يبرم عقد زواج. وإبرام عقد الزواج دون السن المقرر يتوقف على إذن خاص من رئيس المحكمة الابتدائية. ويقع الحصول على هذا الإذن بمقتضى عريضة تقدم للسيد رئيس المحكمة الابتدائية المختصة من قبل ولي البنت القاصر والأم تتضمن موافقتهما على زواجها..
وزواج البنت القاصر التي لم تبلغ سن الثامنة عشرة كاملة يتوقف على موافقة الولي والأم وإذن خاص من رئيس المحكمة الابتدائية. ولا يعطى الإذن المذكور إلاّ لأسباب خطيرة وللمصلحة الواضحة للزوجين. 

«في السابق»: لا عقوبات في حق المتورطين بتزويج القاصرات

وحول استفسارها عمّا إذا كانت هنالك عقوبة قانونية تسلّط ضد المورّطين في تزويج القاصرات، قالت الأستاذة راضية الجربي أنه لا يوجد في القانون التونسي نص يتحدث عن عقوبة مسلطة على الوليّ الذي تولّى تزويج ابنته خارج السن القانوني، لكن رغم هذا فإن هذا الزواج يعتبر في حد ذاته زواجا باطلا قانونيا لان زواج القاصر يقتضي إذنا من وكيل الجمهورية وهو باطل أيضا لاختلال شروطه خاصة في ما يتعلّق بـ»الأهلية» التي تخول للزوجين التعاقد دون شروط قانونية..
وهنا أفادت بأنّ السن القانوني الأدنى الموحّد بين الإناث والذكور للزواج هو 18 سنة، ما عدا ذلك فإنّ السن يخضع إلى وجوب الحصول على ترخيص من قاضي وكالة الجمهورية..

العقلية الذكورية هي السبب

وجدّدت التأكيد بأنه ليس هنالك عقوبات جزائية تترتب على الولي وعلى القاصر الذي ابرم عقد زواجه ولا على الراشد الذي أرغم القاصر على عقد الزواج، معتقدة أنّ هذا يعود إلى العقلية الذكورية المترسّخة حتى في وقت تحرير مجلة الأحوال الشخصية حيث كانوا في السابق يقبلون تزويج البنت القاصر فضلا عن أنّ أغلب هذه الأنواع من الزيجات «الباطلة» تخضع إلى المصلحة لذلك يكون تزويج الفتاة هو نوع من التخلص من المشكل لذلك لم ترتق المسألة إلى أن تبلغ وضع نص قانوني يتضمن عقوبات جزائية ..

اليوم: لا افلات من العقاب !

وتابعت الجربي مداخلتها قائلة «لكن حاليا لم يعد هنالك موجب للحديث عن تزويج القاصرات في تونس بعد أن تمت المصادقة على مشروع القانون الجديد الخاص بمناهضة التعذيب ضد المرأة بتاريخ 26 جويلية 2017، والذي تم عبره منع تزويج القاصر حتى في حالة الاغتصاب كما أنه لم يعد هنالك حديث عن إذن قضائي يسمح بذلك، فاليوم أضحى المشرع التونسي يرفض رفضا تاما تزويج القاصر ولو كان ذلك بإذن قضائي لأنه فهم بأنه عملية للإفلات من العقاب فحسب وليس لبناء أسرة وعائلة وعليه صرح علنا انه أمر غير ممكن مواصلته في تونس وبذلك بات يعاقب عليه القانون فلم يعد بذلك لا الولي حرا في تزويج بناته القاصرات ولا سبيل لإصدر إذن قضائي للموافقة على ذلك»..
واعتبرت راضية الجربي أن المصادقة على قانون القضاء على العنف ضد المرأة  يعد مكسبا ونصرا حارب من أجلهما المجتمع المدني والحقوقيون التونسيون خاصة اثر حادثة محاولة تزويج طفلة الثلاث عشرة سنة من مغتصبها بالكاف والتي أثارت جدلا كبيرا غير مسبوق عكس نضج المجتمع الذي رفض تزويج القاصرات من مغتصبها حتّى ولو بقوانين تسمح بذلك سابقا..

فاضل عاشور: تزويج القاصرة جرم في حق الطفولة والمرأة

وحول موقف الفقه والشرع من زواج القاصرات كان لأخبار الجمهورية اتصال بفاضل عاشور الأمين العام لنقابة الأئمة وإطارات المساجد الذي اعتبر أنّه من الناحية الشرعية هنالك هنات كبرى في الفقه الإسلامي سابقا الذي كان يعتبر أنّ المرأة تزوّج من لحظة ولادتها، معتبرا أنّها ظاهرة كانت شائعة عند العرب وموروثة عن العرف المتبع في الجزيرة العربية..
واعتبر في المقابل أنّه لا يمكن اليوم الحديث عن تلك الأعراف الموروثة والتقاليد البالية في دولة مدنية تساوي بين الحقوق والواجبات وتعتبر أن زواج المرأة لا يحدث إلا عند نضجها وإدراكها وتأهيلها نفسيا وثقافيا وجسديا لتحمل أعباء الأسرة حتّى تكون في مستوى الأمانة التي يستوجبها الزواج شرعا وقانونا..
وافاد محدّثنا أنّ تزويج القاصر التي لم تبلغ السن القانونية هو جريمة في حقّها وتعدّ على إنسانيتها وعلى حرية اختيارها الذي تصبح غير مؤتمنة عليه، معتبرا أنّ الشرع في ذاته قد هضم حقها في هذه المسألة لذلك استوجب لتزويجها كفيلا يخوّل بالإمضاء مكانها وهو أمر مهين لها..
وتابع قوله «اليوم نطالب بضرورة حماية الطفولة من كل الاعتداءات على المرأة التي تعتبر صانعة الرجال والنساء والمدرسة الأولى والوطن، يجب حمايتها بالتشاريع والفقه وبالتوعية والتثقيف المدرسي والإحاطة الجمعياتية والحقوقية.. كما نطالب بتغيير سياسة وزارة المرأة عبر الابتعاد عن صورة المرأة الحداثية العاملة في المكاتب والاعتناء بالمرأة الريفية والسعي نحو معالجة الأمراض المجتمعية التي تنهش بكياننا وتهوي بنا الى الحضيض»..  
وأضاف معتبرا أنّ زواج القاصرات هو نوع من التستر على كبت نفسي وجنسي تعاني منه بعض المجتمعات الضيقة التي لم تصلها الى غاية أسس التنمية والنضج والتوعية، متطرّقا الى حادثة خطيرة جدت في إحدى المناطق الريفية وتتمثل في محاولة تزويج قاصرة عمرها 12 سنة بشاب عمره 14 سنة بشكل غير قانوني (عرفي) وذلك قصد التستّر عن حادثة اغتصابها لها..
وختم الأمين العام لنقابة الأئمة وإطارات المساجد مداخلته معنا مشدّدا على ضرورة مراجعة القوانين للضرب على أيادي العابثين بالطفولة والبحث وراء مسببات انتشار هذه الظاهرة لتطويقها».

ملف من إعداد: منارة تليجاني